جامعة بغداد

اسم الكلية

جامعة بغداد- كلية العلوم الاسلامية

القسم

قسم اللغة العربية   

الاسم الكامل

ياسمين ماجد جودة لعيبي

البريد الالكتروني

الشهادة

( ) مدرس مساعد

( ) مدرس

( ) استاذ مساعد

( ) استاذ

( ) ماجستير

( ) دكتوراه

اسم المشرف

أ.م.د . سلمان عباس عبد

عنوان الرسالة

أَثَرُالمخاطـَب في التحليل النحوي عند سيبويه

السنة

2013

المقدمة

الحمد لله معلِّم البيان , ومنزل القرآن بأبدع تبيان, والصلاة والسلام على خير الأنام الناطق بالحق من الفرقان , محمد الصادق الأمين , وعلى آله وصحبه أجمعين , أمّا بعدُ :

فالنحو العربي علمٌ أساس شقَّ طريقه بين العلوم اللغوية الأخرى ليستوي ميزانا يفاضل بين لهجات العرب منقّحاً ومصححاً أو ناقضاً ومرجِّحاً , انطلاقا من أصول وثوابت لغوية محكمة , دللت على احتكاك مباشر للنحو باللغة والواقع المعيش , فقد قيل إنَّ ” اللغة ضرب من العمل وليست أداة عاكسة للفكر ” , بمعنى أنَّ اللغة امتزجت بالواقع الاجتماعي للحياة وهذا ما ينطبق على لغة العرب فهي لغة انصهرت في الواقع الاجتماعي للإنسان العربي , فأثمرت علاقة متبادلة وجدلية بين الإنسان العربي ولغته , وهو ما سمي بالسليقة , وكانت لهذه العلاقة نتيجة حتمية تجسدت في نشوء كيان خاص باللغة العربية نظاماً تسري به  في واقعها المتداول وهذا الكيان هو النحو , وكان لا بد لذلك الكيان من  قانون يصونه و يصوغ منطقه, فاستحدثت القواعد والأحكام النحوية قوانيناً تصون اللغة من الانحراف واللحن .

وهذا ما أدى إلى ملازمة النحو للمعنى والسياق الزماني والمكاني للحدث الكلامي  , مما أضفى على النحو سمة الديمومة والعلمية كونه علما يدرس أحوال الكلام في سياقات إنتاجه , وبذلك أصبحت حاجة اللغة للنحو  أشبه بحاجة الفقيه إلى لغته كي يعبّر عن أحكامه بوساطتها. و هكذا نشأ النحو العربي إذ كان ظهوره مدعاة لحاجة ملحة , وهي صيانة القرآن أولا وصيانة بنية اللغة العربية  في الاستعمالات المختلفة  ثانيا , وهذا ما آثره علماء النحو في مؤلفاتهم ومصطلحاتهم وأقيستهم وأحكامهم النحوية من أمثال الخليل وسيبويه فهما من كبار العلماء الذين أمسكوا بقبضة النحو العربي .

إذ   صنعوا أصوله    ووضعوا قواعده  , فتولوا مهمة صب النحو العربي في قوالب ثابتة احتل النص القرآني فيها الحيز الأكبر من القياس , ومن أتى بعدهم سار على خطاهم , و من الأصول التي اعتمدوها في صبهم لتلك القواعد التعليل المنطقي.

فسيبويه في كتابه عمد إلى أسلوب  التعليل, إذ نجده يفسر ظهور حركات معينة على البنى التركيبية للكلم بعلل اختارها لها من القاعدة النحوية تارة و من القاعدة المقامية تارة أخرى , إذ لم يصدر أحكاما عشوائية مفارقة للتصور اللغوي بل أصدر أحكاما أوجد فيها غاية وسببا انطلق فيها من أصل ثابت وهو  أن لكل حادث محدثا ؛ لذا فإن أهم ما يلمح في خطابه النحوي تميزه بالعلة الظاهرة والدليل الحاضر الذي يستدعيه دائما .

          وقد يكون ذلك الدليل أحد عناصر السياق اللغوي كالمتكلم أو المخاطب أو العلاقة بينهما , وقد يكون أحد عناصر السياق غير اللغوي كإرادة المتكلم أو إرادة المخاطب أو مضمون الخطاب أو غير ذلك من الحواس البشرية , موضحا أثرها في دلالة التركيب , وخلاصة ذلك أنه لم يفصل في تحليله النحوي الدلالة عن صورتها الظاهرة .

وقد كان النحو و لا يزال أبا العلوم اللغوية حيا نظرا على الرغم مرور مئات السنين , مات و انتهى كل من بشر بنضجه و احتراقه , إذ نعته خصومه بأنّه علم ران عليه الجمود , ولكنه في الحقيقة علم لخواص الكلام وتأليفه وآلة لسبر أسرار البيان ومدخل للمعاني بأصنافها , فضلاً عن قدسيته الخالدة , كونه علما قرآنيًا استمد خلوده من سحر البيان القرآني .

ولما كان النحو ميزانا للمفاضلة والترجيح فقد وضع النحاة منهجا يقوِّم عمله , وذلك عن طريق استقراء كلام العرب من أفواه فصحائهم ومن النص القرآني , و رأوا أنْ ليس من سهلا رسم معالم ذلك المنهج , فقاموا بوضع حدودا زمانية ومكانية للفصاحة حفاظًا على نقاء العربية وإعجازها؛ لأن الفصاحة هي معجزة العرب الخالدة التي شهد لهم بها القرآن الكريم , وبهذا أسهم النحو بنصيبٍ وافرٍ من القوة في الدفاع عن العربية بوجه كل تغيير أو فساد , دفاعا زاوجوا فيه بين الوجود الحضاري والوجود العقدي للأمة بأكملها , فحفظها من الضياع والاندثار والتحريف والتزييف  وتلك هي إرادة رب العزة والجلال في حفظ لغة خاتم الأنبياء , فسخر لها جنودا لم يألوا جهدا في حفظ تلك اللغة ورعايتها , قال تعالى في كتابه العــــــــزيز (( إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون))  وقد آلمني كثيرا حين قرأت لجل الباحثين المحدثين وهم يرددون بوجوب تجديد و تيسير وتشذيب النحو العربي , مطالبين بتطبيق تلك الرؤية ادِّعاءً بحاجة النحو العربي إليها , وكان لظهور هذه الحركة عاملٌ ذي أثر في أهل اللغة من ألبابها خاصة , إذ أدى إلى ولادة اتجاه معارض لمفهوم التيسير في النحو العربي , فدعا إلى وجوب النظر في التراث النحوي لما يملكه من ثراءٍ كبير  كونه يتصل اتصالا وثيقا بالقرآن الكريم, مع ربطه بالدرس اللغوي الحديث.

فخرجوا بتصور أقروا في أثنائه بأنَّ حركة التيسير في النحو العربي قلت فائدتها ؛ لأنها لم تتعمق في الأصول النظرية والمنهجية , و ليس لها إحاطة كلية بل هي نظرات جزئية شكلية , والأخطر من ذلك أنّها غيبت الدور الرئيس للنص القرآني في التأسيس والتأصيل والتمثيل والإحاطة لأطر التراكيب والمفردات العربية .وحقٌ علي ها هنا أن أذكر ما تركه فينا د. سلمان عباس في أثناء دراستنا للسنة التحضيرية , إذ كانت محاضراته لسانية زاكية  سكبت في أذهاننا معايير ركزت على       قضية   التأصيل للنظرية     النحوية العربية القديمة , إذ كان يؤكد مرارًا بأنّ الدرس اللساني الحديث ما هو إلا استجلاء لمعالم الدرس النحوي القديم , فهو فرع نابع عن أصل , فكانت لوقفاته أثرٌ ندي غرس في روح الإصغاء الذي يتخلله التحليل الذهني الدقيق فقطفت من أفكاره الفطناء عينة على وريقات ما زلت أحتفظ بها ,  فما أن عرض علي أستاذي ومشرفي موضوع الخطاب عند سيبويه حتى أعجبت به وسررت به جدا , فقبلت لحبي وشوقي ورغبتي فيه من غير أن أناقش أو أعرف حدود الموضوع , فكان اللقاء الأول بعد إقرار الموضوع بُشارة أملٍ طال انتظارها لسنين , لقاء تجسدت فيه مشاعر متخاصمة , فالفرح في قلبي يبدده الخوف تارة والقلق الذي يعتري الباحثين حين يخوضون غمار البحث في الكتاب لصعوبته تارة أخرى , إذ كنت استصعب الأمر حين استحضر عبارة (هل ركبت البحر ؟ ) , كناية عن صعوبة الإقدام إلى دراسته , فانعكفت على قراءة دراسات لسانية حديثة انتقيتها بدقة , ففتحت لي كل المغاليق وبرزت لي الأسس والأصول والمناهج التي شيدت عليها النظرية النحوية العربية القديمة , وأحطت بالمعايير المعرفية والعقلية للتحليل النحوي , وأبحرت في أعماق المنظومة الشرعية , فأيقنت أنَّ النحو جزء من تلك المنظومة الفكرية يرتبط فيها بخيوط وشيجة , ومن ثم فلا بد له من أن يمتزج معها في الأصول والأسس والمناهج , وأن يستعير منها أسسا ومعايير في تكوين النظرية النحوية العربية القديمة , وأن يضيف على تلك المنظومة من معايير اللغة ما يعطي لها صورة تتسم بالمرونة لإمكانية تعدد الأوجه الحكمية والشرعية والفكرية والإعجازية , ومن أمثال أصحاب هذه الدراسات على سبيل التمثيل لا الحصر : طه عبد الرحمن وأحمد العلوي وأحمد المتوكل وإدريس مقبول وفؤاد بو علي ومصطفى غلفان ومحمد محمد يونس علي وآخريـــن كُثُر قد

يطول المقام بذكرهم .وبعد قراءةٍ متأنيةٍ و استقراء دقيق لكلمة المخاطب في الكتاب كان تتويج العنوان بـ ( أثر المخاطَب في التحليل النحوي عند سيبويه ) ,  إذ كانت حصيلة ورود هذه الكلمة هي ستة وثمانين موضعا في أبواب متفرقة من الكتاب. وعلى أساس ذلك قسمت الرسالة على أربعة فصول وخاتمة , عرضت في الفصل الأول : الأبعاد المعرفية واللغوية للخطاب عند سيبويه, بيّنت فيه الأسس التي سلكها في نظريته النحوية و ما أحاط بها من معايير متعددة .

          أما الفصل الثاني : فعن دلالة الخطاب في الأحكام النحوية بيّنت فيه دلالة الخطاب في أحكام التعريف و التنكير و الحذف و الإضمار و توجيه الصور الإعرابية .

أما الفصل الثالث : فبيّنت فيه دلالة الخطاب في مستوى الأفعال , ناقشت فيه إضمار الفعل استغناء بالفعل المشاهد وبعلم المخاطب , وبيّنت الملائمة بين الأحكام النحوية وحال المخاطب .

واما الفصل الرابع عن دلالة الخطاب والمظهر الوظيفي للأدوات و السياق و التداولية , أوضحت فيه دلالة الخطاب في الأدوات والحروف, كما وقفت عند المظهر الوظيفي للخطاب في الدلالة والسياق والتداولية.

وختمت الرسالة بأبرز النتائج التي توصل إليها البحث وهي : أن سيبويه صاحب أعرق نظرية نحوية عربية , نظرية أسسها على معايير دلالية وتركيبية رصينة , ومما توصلت إليه أيضا أن دراسة الخطاب في كتاب سيبويه قائمة على ضرورة تتبع مستويات التحـــــليل النحوي وضرورة إدراك أسيقة إنتاج القول مما يبرهن على أن سيبويه أوجد علاقة بين المستويين الدلالي والتركيبي و المستوى التداولي وهذا ما يؤكد أحقية أفعال الكلام للبعد التداولي ..

وأخيرا فما قدمت إنما هو من فضل ربي , فإن أصبت فالشكر والمن والفضل لله تعالى , وإن أسأت أو قصرت فهو من نفسي والشيطان .

Comments are disabled.