دعا وزير التعليم العالي والبحث العلمي علي الأديب، طلبة الجامعات والمعاهد إلى استثمار بدء العام الدراسي الجديد لبذل أقصى طاقاتهم للمساهمة في ردم الهوة المعرفية الشاسعة التي نشأت بين العراق وباقي دول العالم بسبب السياسات العدوانية لنظام البعث المستبد، وفيما أكد على ضرورة إبعاد الحرم الجامعي عن كل الممارسات الحزبية أو الخلافات السياسية، كشف أن العام المقبل سيشهد أوسع حركة ابتعاث في تاريخ العراق ستشمل الطلبة الأوائل في الجامعات، وكل المؤهلين للحصول على شهادات عليا من الجامعات الأجنبية الرصينة.

وفيما يلي، نص الكلمة التي وجهها الأديب للطلبة والتدريسيين بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد.

كلمة معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد

بسم الله الرحمن الرحيم

مع انطلاقة العام الدراسي الجديد، يكون العراق قد فتح بوابة أخرى للرقي والتقدم، يقودها جيل جديد، قوامه انتم بناتي وأبنائي الطلبة.

ومع كل صباح ستسيرون فيه باتجاه جامعاتكم ومعاهدكم، سيكون لبلادنا أملا جديدا يزهر في عيونكم حين تدخلون قاعاتكم الدراسية بروح ملئوها التوثب والرغبة في تلقي العلوم والآداب، وتحقيق المنجز الذي تطمحون اليه انتم، وتطمح اليه بلادكم من أقصى البصرة جنوبا إلى أقصى الشمال.

في عامكم الدراسي الجديد، سيكون عليكم ايها الاعزاء، ان تنظروا الى ما حققتموه في الأعوام الماضية، وما يمكن ان تحققوه في هذا العام والأعوام التي ستأتي. وبإمكانكم أن تتيقنوا بأن كل جهد ستبذلونه في هذا المفصل من حياتكم، سيكون بمثابة قاعدة لنجاحات أخرى تؤسسون فيها لمستقبلكم ومستقبل بلادكم التي تراهن عليكم في خطواتها للتطور والنماء والاستقرار.

يمكنكم، بناتي ابنائي الطلبة، ان تضعوا فاصلا بين زمنين، وتشرعوا في تحقيق المنجز الذي لن يتحقق الا على أيديكم انتم، باعتباركم نخبة الجيل القيادي الواعد، وهو منجز ردم الهوة الشاسعة التي نشأت بين العراق وباقي بلدان العالم نتيجة السياسات العدوانية والشمولية لنظام البعث المستبد، وكل ما رافقها من حروب ومآس وتجاوزات ساهمت في تخريب البنى التي ترتكز عليها بلادنا، عمرانيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وعلى درجة كبيرة جدا، الواقع التعليمي الذي تراجع في العراق خلال العقود الثلاثة الماضية بشكل مخيف.

بناتي وابنائي الطلبة، ستكون إستراتيجية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في طريقها الى ان تتحدد أكثر وتأخذ طريقها الى التطبيق في كل محاورها وتفصيلاتها، وهي في مجملها إستراتيجية تطويرية نوعيا وكميا، ونجاحها يتوقف بلا شك على مدى ايمانكم بها وتفاعلكم معها.

وكلي ثقة بأنكم تدركون أن أمامنا جميعا، مهمة شاقة علينا ان نحملها على عواتقنا بصدقية عالية، مفادها أن العراق يجب ان يعود مرة أخرى الى حركة التحضر والرقي ومواكبة التطور الذي يشهده العالم في عصرنا الحاضر، ويجب علينا جميعا أن نرتقي به الى مصاف الدول المتقدمة علمياً وانسانياً. وهو ما يتطلب، منا ومنكم، ان نفكر جدياً للاتجاه بالتعليم الى ما يحقق متطلبات المجتمع وحاجاته في شتى المجالات، وأن يكون هدفكم وانتم تبذلون الجهد العالي لنيل العلم هو السير بالمجتمع نحو النمو والتطور، وتحويل المعارف الى خبرات عملية ترفع انتاجية مؤسساتنا وانجازاتها، سواء بالعلوم التطبيقية التي تأخذ دورها في بناء البلاد ورفع مستواه الصحي والتكنولوجي والزراعي والعمراني وغيرها من المجالات، أو العلوم الانسانية التي تسعى الى تحقيق المنجز الأكبر، وهو بناء الانسان العراقي باعتباره الغاية الأسمى، وتنزهه من نوازع العدوان والحقد والكراهية والتطرف.

هذه المعادلة الفعالة في النظام التعليمي هي التي اثبتت نجاحها في اعادة اعمار البلدان التي تعرضت للتدمير المؤسساتي بسبب الحروب والصراعات والسياسات الاستبدادية والحزبية الضيقة وقد نال بلادنا منها النصيب الأوفر خلال العقود الماضية، حيث أبتلي بحفنة من المجرمين العابثين الذين عاثوا في ارضنا فسادا ودمارا، وحرموا العراق من القدرة على اللحاق بسائر بلدان العالم المتقدمة.

ان التوجه الجديد لسياسة التعليم العالي والبحث العلمي للقادم من السنين، ستؤكد على ملاءمة مخرجات التعليم العالي مع الحاجات الفعلية للمجتمع، فلم نعد بحاجة الى أن تتحول مخرجاتنا الى وثائق جامعية لا تصلح إلا للبحث عن وظيفة حكومية في هذه الدائرة او تلك، بل نريد لجهدكم العلمي أن يكون جزءا من حركة تطوير المجتمع والارتقاء به الى مستوى الدولة المدنية الحديثة التي يتكامل فيها الانسان مع المجتمع وسوق العمل.

الخطة الطموحة التي بدأنا بتطبيقها مطلع العام 2011، هي مرحلة أولى من مراحل اعادة بناء النظام التعليمي في العراق وتجسير الهوة بينه وبين الأنظمة التعليمية في العالم المتقدم، وهي مرحلة أولى في ترسيخ مفاهيم تعليمية رصينة يمكن لها ان تكون المرتكز الرئيس لإعادة بناء الإنسان والدولة.

احرصوا بناتي وابنائي الطلبة كل الحرص، على منع السيئين من العبث بالفضاءات النقية للجامعات والمعاهد وساهموا بقوة في ردع المفسدين من سرقة الفرصة التي وفرتها لكم الدولة العراقية من أجل صقل مواهبكم وقدراتكم وإمكاناتكم لأداء دوركم الأمثل في نيل العلم والتسلح بالمعرفة والالتحاق بحركة التطور.

أيضا، أريد منكم ان لا تلتفتوا لسياسة خلط المفاهيم والترويج للإشاعات الكاذبة التي دأبت عليها جهات لا تريد لتجربة العراق الجديد ان تنجح وتزدهر.

في العام الماضي شنت علينا وعليكم هذه الجهات حملة منظمة هدفها إشاعة الفوضى في النظام التعليمي ومسيرته الصاعدة، هذه المسيرة التي لم تعد تتوافق مع ما خططوا له له من سياسات التمييز والاحتكار وتهميش الآخر.

في البداية روجوا كذبا بأن الوزارة عازمة على فصل الجنسين في الجامعات والمعاهد وفرض الحجاب وغيرها من الافتراءات التي أرادوا من خلالها إرباك المشهد الجامعي وصناعة نوع من النقمة على المفاهيم الإسلامية، وترسيخ مفهوم ان الدولة ستتدخل في الحياة الشخصية للأفراد. ولم يكن صحيحا كل ما روجوا له، وانتم اقدر من غيركم على معرفة أن حملات التضليل، لم تكن تستند الا على افتراضات مريضة، ونوايا سيئة، تختزنها قلوب وعقول رفضت وما زالت ترفض التجربة العراقية الوليدة.

واستمرارا لهذه الترويجات المغرضة، ما تسمعونه بين الحين والآخر من تصريحات عدوانية ترافق كل حركة تنقلات تقوم بها الوزارة لتطوير ملاكاتها الإدارية بهدف كسر الجمود الإداري وإتاحة الفرصة أمام القيادات الشابة للمساهمة في تحديث الهياكل التعليمة والادارية، والمشاركة في بناء وتطوير المؤسسة التعليمية، دون النظر الى الانتماءات العرقية او المذهبية أو الفكرية أو السياسية. وقد ظنوا بأن سيل الاتهامات الباطلة هذه، ستجبرنا على التراجع عن سياسة التجديد التي اتبعناها والرامية الى اخراج التعليم العالي من حالة الجمود والتراجع الى فضاءات المعاصرة والتحديث.

إن استراتيجية الوزارة في تحديث هياكلها الادارية لن تتوقف بسبب الصخب الاعلامي المفتعل، وهي ماضية الى هدفها المرسوم للانتقال بالتعليم العالي من الانغلاق الفئوي والفكري الى الانفتاح على كل المساحات الوطنية. وقد قمنا خلال المدة القليلة المنصرمة بمحاولة إعادة الحياة لنظام البعثات وزيادة عدد الطلبة المبتعثين للخارج، زرنا الكثير من المؤسسات التعليمية العالمية وتباحثنا مع سفراء دول كبرى وصديقة، اطلعنا عن كثب على كل الفرص التعليمية المتاحة امام الطلبة العراقيين. وها نحن نعلن أن عام 2012 سيشهد أوسع حركة ابتعاث في تاريخ العراق، ستشمل الطلبة الأوائل في الجامعات العراقية، وكل المؤهلين للحصول على شهادات عليا من الجامعات الأجنبية الرصينة للعودة بعدها للعراق متسلحين بالمعرفة والتجربة العلمية الرصينة.

بناتي وابنائي طلبة الجامعات والمعاهد، سيقف الى جانبكم نخبة من الأساتذة الاكفاء الذين يحرصون على تأهيلكم علميا وهم يدركون انكم ستحملون لهم المودة والعرفان والامتنان، على كل ما يبذلونه من جهود علمية عالية في مسيرة مشتركة معززة بروح الاخوة والاحترام المتبادل وتجاوز العقبات والمعوقات.
في ذات الوقت، يريد العراق منكم، أساتذة وطلبة، إداريين وفنيين، ان تضعوا مصلحة البلاد بين أعينكم ولا تدعوا أي فرصة للتحزبات او الأفكار الفئوية أن تخرق ميثاق الشرف العلمي الذي تعاهدنا عليه جميعا، إذ أن بإمكان أي طالب او أستاذ ان يؤمن بما يلائمه من أفكار او طروحات حزبية أو سياسية فهذا حقه الذي لا ينازعه عليه احد، لكن لا مجال للسماح بأن تأخذ هذه الطروحات طريقها الى داخل أسوار الجامعات، وتسيء إلى العلاقة النقية الصادقة بين الأستاذ والطالب، أو بين الأساتذة أنفسهم، والطلبة فيما بينهم.

احرصوا على ان تكون جامعاتكم، الأجمل والأكثر زهوا، ننتظر أن نراكم تملأون القاعات الدراسية بالمناقشات العلمية الهادفة والتنافس في نيل العلم واثبات الذات، وننتظر منكم صفحات جديدة من الإبداع التي تؤطرون بها تجاربكم في المختبرات العلمية والابحاث التي تنجزونها، كي تضاف الى جهود من سبقكم من ابناء هذا البلد العظيم.

بناتي ابنائي الطلبة، أريدكم ان تثقوا بأنني سأقف الى جانبكم واحرص على ان يحقق كل منكم ذاته، وينال ما يطمح اليه من العلم والنجاح، سأكون منحازا لكم مثلما أكون منحازا للأستاذ الجامعي الذي يبذل كل ما يمتلكه من جهود علمية للارتقاء بمستواه ومستواكم العلمي والتربوي.

أبواب الوزارة مفتوحة أمامكم أينما كنتم، ولأي محافظة تنتسبون من أقصى جنوب عراقنا الغالي حتى أقصى شماله.

سنكون معا في الطريق الى بناء العراق الجديد، سنعوض بلادنا عما خسرته من فرص تاريخية بسبب وطأة الحروب والأزمات والمآسي والسياسات السقيمة التي شهدها طوال العقود الماضية.

وفي هذا المفصل التاريخي الذي تعيشه بلادنا، بلاد الحضارة والمعرفة، بلاد ما بين النهرين التي أسست للحضارة البشرية قبل آلاف السنين، سيكون لزاما علينا أن لا نخذل من وثق بنا، ونحن نسير بالدولة العراقية إلى حيث الرقي والتحضر والتطور والاستقرار، وبالمسيرة الجديدة الى النجاح والتوفيق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

علي محمد الحسين الأديب
وزير التعليم العالي والبحث العلمي
25/ 9/ 2011

Comments are disabled.